فضاء حر

اعقلوها … لا تأتي الا بغته

يمنات
ليست البلدان الا براكيّن تحوي في جوفها صهارة هي المجتمع , وفي وسط الصهارة هناك ” حممّ ” هي القوى المتكوّنة في تلك المجتمعات , وهذه ” الحمم ” هي المؤثر الاول في الصهارة التي تتولّد ردود افعال بناء على تصرفات هذه ” الحممّ ” المتواجدة فيها , ووفقا ” لديناميكية ” خاصة تحكم نشاط ” براكين البلدان ” التي تعتبر في وضعها الطبيعي عندما تكون ” براكين خامدة ” نتيجة للضغط المتمثّل في العبث العريّض الذي مارسته القوة التي تولّت مقاليد الامور في اليمن على مدى عقود – التي تشظّت فيما بعد الى عدة قوى – اعتملت في جوف ” بركان البلد ” اضطرابات شديدة , وارتفعت نتيجتها درجة الحرارة في جوفه الى الدرجة التي جعلت منه ” بركانا نشطا ” ومتوقع الانفجار في اي لحظة . الاحداث التي شهدها البلد في العام 2011م كانت هي حالة نشاط ” بركان البلد ” وقد بلغت ذروتها , وكان يمكن له ان” يثور ” قاذفا بكل ” شظايا النظام ” تلك الى خارجه في اي لحظة , وذلك سعينا منه – وفق ” الديناميكية ” التي تحكمه – للعودة الى وضعه الطبيعي ” كبركان خامد ” .
اتّبعت تلك القوة العابثة ” تكتيكات ” معينه مكنتّها من وضع ” طبقة رقيقة ” في فوّهة ” بركان البلد ” الناشط تلافيا ” لثورة ” مباغتة منه وبالفعل نجحت في ذلك , ولكنّها على ما يبدوا لم تدرك ان نجاحها ليس لكونها هي المتحكمة في ” ديناميكية ” هذا البركان وانما لأنها قدّمت بتلك ” التكتيكات ” عرضا ” بآلية بديلة ” تمكّن المجتمع من التخلص من الاثار الهدامة لها على استقراره , ولومع بقائها ضمن ” صهارته ” .
كان ذلك العرض هو التحوّل الى ” آليّة الحوار ” بدلا عن ” آلية الثورة ” , وقد اقتنع المجتمع بان يمضي في هذه الالية المعروضة لأنها توفر ميزة التضحية بزمن اطول مقابل التوفير في الخسائر التي قد تكون جسيمة تبعا ” لألية الثورة ” التي كان بصددها قبل هذا العرض , وبهذه القناعة المجتمعية وجد مؤتمر الحوار الوطني ” كطبقة رقيقة ” غطّت على فوهة ” بركان البلد ” الناشط . مرت الفترة الاطول من مؤتمر الحوار الوطني , ومالم يحصل اي مفاجئ فأسابيع قليلة هي المتبقية من فترته ويفترض ان ما سيتم فيها هو التوافق النهائي على عدد من النقاط العالقة , وكذلك الصياغة النهائية والتقديم الرسمي لمخرجات المؤتمر للمجتمع .
وبالطبع كما مرت الفترة الاطول من مؤتمر الحوار ستمر الفترة المتبقية بطريقة او بأخرى , وسيقدم المؤتمر مخرجاته بصورتها النهائية والرسمية , وبذلك سيكون ” المؤتمر ” قد نجح .
تقديم مؤتمر الحوار لمخرجاته بصورة رسمية هو النجاح للمؤتمر ولكنه ليس نجاحا لألية الحوار التي رضي المجتمع بان يجرّبها , فنجاح هذه الآلية يتمثل في التخلّص من الأثر الهدام لتلك القوى العابثة على استقرار المجتمع وعودة ” بركان البلد ” تدريجيا الى وضعه الطبيعي ” بركانا خامدا ” .
كيما يعود ” بركان البلد ” الى وضعه الطبيعي لابد من التحول التدريجي ” للطبقة الرقيقة ” التي تغطي فوهته حاليا الى ” طبقة سميكة ” تضغط على تلك الشظايا العابثة وتجعلها تستقر وتلتزم بالتحرّك بطريقة غير هدامة , و تحول هذه الطبقة الى ” طبقة سميكة ” لا يتم بتقديم المؤتمر المخرجات النهائية والرسمية ولكنه يتم بناء على احترام هذه المخرجات والالتزام بها وعكسها على اسلوب ادارة البلد وعلى العلاقات المختلفة فيه .
حالة نشاط ” بركان البلد ” التي كان عليها عند عرض القوة العابثة لألية الحوار ستكون هي ذاتها عندما تقدم مخرجات مؤتمر الحوار للمجتمع , الضغط في جوفه لازال هو ذاته لان العبث الحالي لم يقل ولو قليلا عما كان عليه قبل العام 2011م , والحرارة المتولدة نتيجته لازالت كماهي في بداية العام 2011م , والطبقة الرقيقة ستضل على حالها طبقة رقيقة كل ما تفعله هو مراكمة الحرارة المتولدة عن ذلك الضغط على مدى العامين الماضيين , وكل من يتصور ان نشاط ” بركان البلد ” قد تغيّر عما كان عليه في العام 2011م هو واهم و لا يعي في ردود افعال المجتمعات شيئا .
فترة قصيرة هي التي سيستغرقها المجتمع بعد المخرجات الرسمية لمؤتمر الحوار حتى يتمكن من الحكم على مدى نجاح ” آلية الحوار ” التي يجربها في إعادته الى حالة الاستقرار التي يجب ان يعيش في ضلّها , و حينها سيكون ” بركان البلد ” امام احتمالين سيتجه ” ديناميكيا ” صوب احدهما . اما ان يتم التزام الجميع بتلك المخرجات و ان تنفذ في واقع المجتمع بصورة ملموسة , وحينها سيستمر المجتمع في التمسك ” باليه الحوار ” لحين تحوّل تلك ” الطبقة الرقيقة ” الى ” طبقة سميكة ” تضغط على الشظايا العابثة الى ان يعود ” بركان البلد ” بركان خامدا ” كوضع طبيعي له . او ان لا يتم الالتزام بتنفيذ تلك المخرجات وبالتالي سيفقد المجتمع ” امل التجربة ” لآلية الحوار , وسيكون ما تراكم من الحرارة تحت تلك ” الطبقة الرقيقة ” التي تغطي فوهة البركان كافية لتجعل من ثورانه امرا موكدا , وسيقذف ” الحمم ” غير المستقرة خارجا ايا كانت التضحيات التي سيتحملها المجتمع في سبيل العودة ” ببركان البلد ” الى وضعه الطبيعي , وهذه المرة بدون وجود تلك الشظايا العابثة ضمن مزيجه .
ما يجب على جميع القوى في البلد – وفي مقدمتها شظايا النظام التي كانت تمثل قوى واحدة على مدى العقود الماضية – ان يعوا ” ديناميكية ” براكين البلدان هذه , وان يدركوا انهم متواجدون ضمن صهارة ليسوا هم من يتحكم في تحركها مهما تصورا ذلك , ومالم يتفهموا هذا الامر من الان فسيفهمونه ولكن بعد ان يقذف بهم خارجا .
على الجميع في هذه المرحلة ان يساعدوا في تبلّور مخرجات مؤتمر الحوار , وان يعملوا بعد ذلك على ان يتم امتثالها كواقع , و ايا كانت التنازلات والتضحيات التي سيقدمونها في سبيل ذلك . مالم يتم وعي هذه ” الديناميكية ” والانطلاق في التصرّف تجاه القضايا المطروحة في مؤتمر الحوار من ضوئها فأن ما تم تداركه في العام 2011م سوف يحدث ” غصبا ” عن الجميع , ولن تجدي اي ” تكتيكات ” جديدة في منع حدوثه هذه المرة , والمسألة كلها مسألة وقت , ولا تأتيكم الا بغته .

زر الذهاب إلى الأعلى